يبدو أن التهم التي يتابع بها عمدة فاس من حزب الأحرار عبد السلام البقالي و كاتب مجلسه من نفس الحزب بصفته مقاولا، والتي يصفهما محامييهما “بالبسيطة”و غير “المؤثرة” في ملف ما بات يعرف إعلاميا “بشبكة الفساد المالي والإداري بجماعة فاس”، (هذه التهم البسيطة” لا تعكس حجم خطورة الاعترافات التي دونها المحققون من الفرقة الجهوية للشرطة القضائية خلال أبحاثهم التي أجروها في الجزء المتعلق بسندات الطلب موضوع الأفعال الجرمية المنسوبة للمتهمين الـ13 المتابعين في هذه القضية.
ووفق المعطيات التي استقتها”الميادين نيوز”، والتي تؤكدها الوثائق التي حصلت عليها، فإن سند الطلب الذي ناهزت قيمته 20 مليون سنتيما والذي فضح عمدة فاس عبد السلام البقالي و كاتب مجلسه المقاول، يتعلق بتزفيت مقطع طرقي صغير مقابل لمقهى “بلانكو”بحي طريق عين الشقف، حيث توجد مطاعم ومحلات تجارية بأسفل عدد من العمارات السكنية، حيث كان التقني السابق بجماعة فاس”ع.ق”، وراء الكشف عن لغز وأسرار هذه”الكعكة”للمحققين والتي استفاد منها المقاول/كاتب المجلس بتواطؤ مع العمدة البقالي.
وفي هذا السياق، كشفت الوثائق والمعطيات التي تتوفر عليها”الميادين نيوز”، بأن عناصر الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بفاس، تمكنوا من خلال أبحاثهم من ضبط 11 خرقا عرفته فضيحة سند الطلب المتعلق بعملية تزفيت المقطع الطرقي المقابل لمقهى”بلانكو”المشهورة بمنطقة طريق عين الشقف.
اعترافات العمدة البقالي بواقعة تبديد أموال عامة
الثابت في صك الاتهام الصادر عن النيابة العامة المختصة في جرائم الأموال بجنايات فاس، والذي أحاله الوكيل العام على غرفة الجنايات الابتدائية بنفس القسم، هو أن عمدة فاس عبد السلام البقالي يواجه في حالة سراح جريمة”عدم التبليغ عن جرائم يعلم بحدوثها أو الشروع فيها ولم يقم بإعلام السلطات”، وهي الجريمة المعاقب من أجلها بالحبس من شهرين الى سنتين وفقا لمقتضيات الفصل 299 من القانون الجنائي، لكن أبحاث المحققين بالفرقة الجهوية للشرطة القضائية، كشفت عن أفعال جرمية تورط فيها العمدة تكتسي طابع تبديد أموال عامة وإهدارها، وكذا منحه منفعة مادية لفائدة مقاولة كاتب مجلسه عن طريق التحايل على القانون، ومحاباة رئيس الجماعة لأصدقاء له من خلال تبديده للمال العام.
فقد اعترف عمدة فاس البقالي بأن سبب إصدار الجماعة لسند الطلب بقيمة تقارب 20 مليون سنتيما، والمخصص لتزفيت المقطع الطرقي المحسوب على النفوذ الترابي لمقاطعة سايس، تحكمت فيه رغبة رئيس الجماعة لمحاباة عدد من أصدقائه المقيمين بالعمارات المتواجدة بهذا المقطع وكذا أصحاب المقاهي والمطاعم، والذين استعطفوه كما قال، لكن من يريد أن يجامل أحدا عليه بأن ينجز ذلك من ماله الخاص وليس من المال العام، علما أن هناك مقاطع طرقية بعدد من أحياء مدينة فاس تحتاج إلى صيانة وتزفيت ولم يلتفت إليها العمدة البقالي سواء من باب المحاباة أو من باب مسؤوليته حيال وضعية البنيات التحتية بالمدينة التي يدبر شؤون جماعتها.
والخطير في اعترافات العمدة البقالي، هو أن المحققين حين واجهوه بتصريحات فاضح هذه “الكعكة” بقيمة 20 مليون سنتيما والتي رصدت لتزفيت مقطع طرقي صغير، وهو التقني بمصلحة الأشغال والذي طرد من جماعة فاس وتم الحاقه بمقاطعة جنان الورد، كان قد كشف بأنه رفض التوقيع على محضر انجاز أشغال هذا المقطع الطرقي طالبه به عبد القادر البوصيري المعتقل بصفته حينها نائب العمدة المكلف بالأشغال، بمبرر وجود خروقات في سند الطلب منها غياب الدراسة التقنية و تتبع الأشغال، حيث أجاب رئيس جماعة فاس البقالي بأن عملية الصيانة والتزفيت تمت في غياب دراسة تقنية مقبلة، على اعتبار أن عملية التعاقد، يضيف رئيس الجماعة في اعترافاته، تمت بشكل مباشر عبر منح سنط الطلب لشركة أحد أقرباء كاتب مجلس نفس الجماعة سفيان الدريسي، والذي قام في خطوة خطيرة، بتحديد الغلاف المالي المخصص لتزفيت المقطع الطرقي لمقهى”بلانطو”بطريق عين الشقف، وهو ما تسبب بحسب استنتاجات المحققين في تبديد وهدر المال العام في مقطع طرقي صغير يوجد في وضعية أحسن من مقاطع طرقية أخرى، كما أن المبلغ المرصود كان سيكفي لصيانة مساحة أكبر بأحد أحياء مدينة فاس، كما أن أبحاث المحققين أثبتت بأن الغلاف المالي المخصص لهذا السند والذي حدده كاتب المجلس لفائدة شركة ابن شقيقته مبالغ فيه، بالنظر للأشغال المنجزة والتي عاينها محققو الـ”BRPJ”بفاس.
المقطع الطرقي لبلانكو.. واعترافات سفيان الدريسي
حقائق خطيرة كشفت عنها وأثبتتها أبحاث عناصر الـ”BRPJ”، خلال مواجهتها للمقاول وكاتب مجلس جماعة فاس من حزب الأحرار سفيان الدريسي، بخصوص علاقته بسند الطلب المتعلق بصيانة مقطع طرقي مقابل لمقهى”بلانكو” بحي طريق عين الشقف، وهو السند الذي كلف ميزانية جماعة فاس خارج الضوابط القانونية والتقنية مبلغ 20 مليون سنتيما، حدده لنفسه المقاول/ وكاتب المجلس مستغلا في ذلك شركة ابن شقيقته”KARMTRAV” للتحايل على القانون.
وفي هذا السياق، اعترف سفيان الدريسي معية المقاول من عائلته، بأن عملية خلط المواد الأولية المستعملة في صيانة وتزفيت المقطع الطرقي موضوع أبحاث المحققين، تكلفت بها شركة كاتب المجلس التجمعي سفيان الدريسي”SOURCE BLEU”، والذي يبدو أنها ظهرت بالورش بمجرد حصولها عن طريق شركة قريب مالكها على سند الطلب والذي حدد تكلفته المقاول والمستشار الجماعي المسؤول بمكتب مجلس جماعة فاس.
من جهته لم يجد مسؤول المختبر المتعاقد مع شركة المقاول و كاتب مجلس جماعة فاس، سفيان الدريسي، بدا من الاعتراف للمحققين بأن المختبر اقتصر عمله على تسليم تركيبات المواد الأولية المستعملة في صيانة وتزفيت المقطع الطرقي، حيث لم تطلب منه الشركة المنفذة للأشغال وكذا جماعة فاس أي تقرير عن جودة المواد والأشغال، فيما اعترف مسؤول المختبر”ع.ب” باستحالة الإشهاد عن خضوع الأشغال للمعايير الواجب احترامها عند الإنجاز، فيما صرح مساعده”م.ح” بأن جماعة فاس لم تقم بتتبع أشغال تزفيت المقطع الطرقي”لبلانكو”.
وعلى الرغم من وجود إثباتات تتعلق بتورط كاتب مجلس جماعة فاس المقاول من الأحرار سفيان الدريسي، في أفعال جرمية تكتسي طابع “تبديد أموال عامة” و “الغدر”، و”الحصول على منفعة من مشروع تتولى إدارته جماعة فاس التي هو عضو فيها عن طريق التحايل على القانون، فإن الجميع فوجئ بمواجهته بتهمة “استغلال النفوذ”، وهي جريمة تدخل ضمن خانة جرائم الاخلال بالثقة العامة، حيث نص عليها وعلى عقوبتها الفصل 250 من القانون الجنائي المغربي.
المقطع الطرقي لبلانكو.. واعترافات البوصيري والمهندس صبحي
أما بخصوص علاقة النائب الثالث لعمدة فاس المعزول عبد القادر البوصيري المعتقل، بملف فضيحة تزفيت مقطع طرقي صغير بـ20 مليون سنتيما، فقد كشف للمحققين بأن شركة قريب كاتب مجلس جماعة فاس والذي تكلفت مقاولته بالإنجاز على الأرض، حصلت على سند الطلب بشكل مباشر، وذلك بقرار صادر من رئيس الجماعة البقالي، حيث أوضح البوصيري بأن هذا الهدية جاءت بغرض محاباة كاتب المجلس سفيان الدريسي والذي يجمعه نفس الحزب بالعمدة.
وشدد البوصيري في تصريحه، بأن كاتب المجلس هو من اختار شركة قريبه للاستفادة من سند الطلب بقيمة 20 مليون سنتيما، حيث أخبر العمدة البقالي برفض تقني مصلحة الأشغال التوقيع على انجاز أشغال تزفيت المقطع الطرقي لمقهى”بلانكو”،لعدم تطابق ذلك كع الشروط الواجب توفرها، وهو ما رد عليه رئيس الجماعة بتكليف مهندس الجماعة مصطفى صبحي المعتقل احتياطيا، بالتوقيع وهو ما تم بالفعل، وفق تصريحات البوصيري، خصوصا أن هناك معطيات تفيد بأن عمدة فاس كان دائما يصرخ حينما يغيب المهندس مصطفى صبحي، واشتهر البقالي بمقولته التي يشهرها عند غضبه”فين هو هاذ المهندس صبحي..ياك جبناه غير باش إوقع”.
أما مهندس الهندسة المدنية بجماعة فاس والذي يرأس مصلحة الأشغال بها وكذا قسم الشؤون التقنية والأشغال بمقاطعة فاس المدينة، مصطفى صبحي وهو شقيق الرئيس السابق لجامعة محمد بن عبد الله بفاس، فإنه اعترف للمحققين بأنه لم يقم بتتبع أشغال صيانة وتزفيت المقطع الطرقي، وأنه لم ينجز أي دراسة لها، فيما قام بالتوقيع على محضر انجاز أشغالها بأمر من عبد القادر البوصيري بصفته حينها نائبا للعمدة مكلفا بالأشغال.