سألني ذات مرة باحث أكاديمي عن رأيي فيمن حذّره -بإحدى المكتبات- بأنه سيُرجَم بالحجارة إن وصل مرحلة مناقشة أطروحته الجامعية التي تبحث فيمن أسهم في تأثيث مشهدنا المغربي الحضاري من غير المسلمين، فما كان علي سوى أن أجبت الباحث السائل بأسئلة مضادة تحمل ردودا عن استفساراته.
– هل مجرد أن أكشف الغطاء عمن دخل المغرب وأَسهَم بأي نوع من أنواع الإسهام في مساره الحضاري ولو جزئيا، أستحق عليه الرجم!؟
– هل بأيدينا إيقاف مسيرة التاريخ البشري الذي قدّره الله بتعاقب الشرائع السماوية بما يناسب كل حقبة زمنية، إلى أن اكتمل “الوعي الجمعي” بخاتمة الشرائع في وحي القرآن؟
– أليس في تنبيه نصِّ القرآنِ الرسولَ الخاتم على اتباع هدى الأنبياء السابقين في سورة الأنعام 90: (أولئك الذينَ هَدى اللهُ، فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه)، وقاعدة الأصوليين “شرعُ مَن قَبلَنا شرعٌ لنا” دليلٌ على تضافر تنزلات الوحي الإلهي عبر الزمن في محورية مقصد خدمة الآدمية البشرية؟
– وحتى الفلسفة اليونانية التي ترعرعت في مؤسسات دينية تَتَلمَذَ من خلالها فلاسفة مرموقون على أيدي بعض أنبياء الله منهم داوود تتلمذ عليه الفيلسوف أنبداقليس، وابن النبي داوود سليمان تتلمذ عليه الفيلسوف فيثاغورس، وهذا قبل أن ينزل القرآن، هل من يتحدث عن هذا مثلا يعدّ مارقا من الدين ويَلزَمُه الرجم بالحجارة؟
– هل إذا تتبع البحث الأكاديمي من أسهم من العابرين أو المقيمين أو حتى المستعمرين من الرومانيين والوندال والبيزنطيين وغيرهم بفعالية ما في مجتمعنا المغربي، ولو على مستوى أعرافه وتقاليده أو ممارساته الإدارية والاقتصادية مثلا، وقد انصهر الجميع في بوتقة هذا الاعتدال المغربي الحضاري، هل نرجم هذا البحث الأكاديمي بالحجارة؟
– هل سنعمد لمئات أو آلاف البحوث في الجغرافيا والتاريخ المغربيين -قديما واليوم- لنرجم بالحجارة كل من بحث ويبحث في غير المسلمين فيها؟
– أليس من ثقافة الاعتراف وإنصافه أن نَقدُرَ الأمور قَدرَها وننزّل الناس منازلهم، ونقول للمحسن: أحسنت، وللمخطئ: أخطأت، تقويما له بكل مرونة وأخوة حضارية؟
– أليس في محاولة تكميم عقول وأفواه الأكاديميين تعدٍّ صارخ على حرية البحث الجامعي المطلق من جهة، وتقييدٌ لعنان الانفتاح على مختلف التجارب البشرية المسهمة في مزيد تطويرنا وريادتنا المغربية من جهة أخرى؟
– هل نلغي حرية الاعتقاد والمخالفة في الدين اللذيْن كفلهما القرآن الكريم خاتم الوحي الإلهي، ولا نتحدث في بحوثنا إلا عمن أسلم فقط؟ ما هذا الهُراء والعبثُ العابث؟
– هل إذا بحثنا عن إنجازات الأمازيغ مثلا سنكون بهذا ضد غير الأمازيغ؟ أم إذا جلّينا إسهامات النصارى والمسيحيبن سنكون من دعاة التنصير؟ أم إذا أبرزنا ما فعله اليهود سنكون صهاينة عنصريين معتدين؟ وكذا التساؤلات عن كل جنس بشري ّمر ببلدنا المغرب. بل هل إذا بحثنا في صنيع الشيطان سنكون شياطين ويستدعي هذا رجمَنا بالحجارة؟ أليس الخالق الحكيم مَن خلق الشيطان وقضى بأنه سيمكّنه من ابتلاء البشرية كلها وأخّر هلاكه إلى حين النفخة في الصور حيث يفنى جميع الخلائق (فَإنَّكَ مِنَ المُنظَرينَ إلى يَومِ الوَقْتِ المَعلوم) -ص: 79-؟، وعلى هذا هل سننعت الله تعالى بنعت ما باعتبار بقاء الفساد قضاء وقدَرا ما بقيت الدنيا!؟ لا يقول بهذا عاقل لبيب.
أليس في تصدير دستورنا المغربي التنصيص على ما يلي؟: