تجري بعد قليل مراسيم تشييع جنازة ضحايا العمارة المنكوبة، وذلك بعدما فوجئ ليلة “الخميس-الجمعة”حوالي الساعة الحادية عشر و30 دقيقة، سكان الحي الحسني التابع لمقاطعة المرينيين بمدينة فاس، بانهيار بناية من 5 طوابق، حيث تسبب الحادث في أجواء من الرعب والهلع بين الجيران والذين هرعوا إلى خارج منازلهم ليلا ظنا منهم بأن الأمر يتعلق بهزة أرضية، قبل أن يجدوا عمارة بنفس المكان وقد هوت أرضا.
واستنادا للمعلومات التي حصلت عليها”الميادين”، فإن هذه العمارة القديمة والتي تتكون من عدة طوابق، كانت تضم 13 شقة سكنية، حيث جرى إحصاؤها من قبل السلطات ضمن لائحة البنايات المهددة بالسقوط، علاوة عن اخضاعها لأوامر إخلائها من قبل ساكنيها، ذلك أن 5 عائلات فقط غادرت البناية خوفا على أرواح أفرادها، فيما ظلت 8 عائلات ترابط في المكان بسبب شكواها من العوز، وعجزها في تأمين المبالغ المالية التي تطالبهم بها المقاولات كتسبيق لمساهمتهم الفردية، فيما تعرض عليهم السلطات مساعدة لا تتعدى 6 ملايين سنتيما، وهو ما يجعل أغلب الأسر تبقى تبقى مرابطة بجدران الموت، ولا تستفيذ من عملية إعادة إسكانهم.
وخلف الحادث مصرع 9 أشخاص من سكان البناية المنكوبة، تم انتشالهم من تحت الأنقاض جثثا هامدة، فيما أصيب 7 أشخاص بجروح متفاوتة وُصفت بالخطيرة، حيث يوجدون تحت العناية الطبية بالمستشفى الجهوي الغساني بفاس، وهو ما يؤشر على ارتفاع حصيلة وفيات هذا الحادث خلال الساعات المقبلة، وذلك بالنظر إلى كمية الأنقاض وثقلها، والتي هوت ليلا على رؤوس قاطني هذه البناية.
وكشف سكان الحي في حديثهم لـ”الميادين نيوز”،بأن “الألطاف الإلهية،حلت خلال الليلة الأخيرة بالتزامن مع هذا الحادث الأليم، وذلك لكون الانهيار المفاجئ وقع ليلا، حيث كان سيتسبب في كارثة انسانية كبيرة،لو أنه وقع في وقت جد مبكر من هذا الصباح، و ذلك بالتزامن خروج الأطفال للعب بنفس المكان، وكذا توجه عدد من المستخدمين والحرفيين القاطنين بجوار العمارة المنكوبة والأزقة القريبة منها،و الذين اعتادوا سلك الممر المحاذي للعمارة المنهارة للتوجه الى وسط الحي ،حيث توجد وسائل النقل العمومي و التي تقلهم نحو وجهتهم.
من جهة أخرى، وفق نفس شهادات سكان الحي الذي هوت فيه العمارة، فإن العائلات التي كانت تسكن بالطوابق السفلية للعمارة، هم من نجوا من الموت، بحكم أن انهيار العمارة بدأ من الأعلى، وهو ما أحدث صوتا مرعبا، كان وراء فرار قاطني الشقق السفلية إلى الخارج، فيما لم يتمكن قاطنوا الدور العلوية من الفرار، حيث كانت الحصيلة ستكون كبيرة تزيد عن 9 قتلى قضوا تحت الأنقاض التي هوت على رؤوسهم.
هلع وسط قاطني الدور القديمة والبنايات العشوائية
أثار حادث انهيار البناية بالحي الحسني ليلا، ضجة كبرى بوسط ساكنة عمارات الأحياء الشعبية اغلبها عشوائية، حيث تتوالى الأخبار بمدينة فاس بسبب مخاوف الناس من انهيارات محتملة نتيجة الجدران المتصدعة المتناسلة في عدد من البنايات بمختلف الأحياء الشعبية على الخصوص، مما حذا بعدد من قاطني الدور و العمارات المهددة بالسقوط الى مطالبة السلطات بإخضاع العمارات المشتبه بحالتها الهندسية للخبرة التقنية إنقاذا لأرواحهم، خصوصا أن سلطات فاس سبق لها أن أعلنت خلال سنة 2018 عن وجود أزيد من مائة بناية مهددة بالانهيار، لكن بدون ان تفعل السلطات إجراءات هدمها، حيث يكون هذا العدد قد بلغ ثلاث أضعافه بعد مرور 7 سنوات عن تقارير المختبر العمومي للدراسات والتجارب LPEE.
من جهتها كشف مصادر مطلعة “للميادين”، بأن مسلسل الانهيارات مع سوء الأحوال الجوية التي تعرفها المنطقة، راجع إلى تساهل السلطات الإدارية المختصة وتهاونها، ولجوء “ساسة فاس ،الى تحصين مصالحهم الانتخابية بـ”هوامش”فاس المريضة، باعتبارها قلعا انتخابية، كلها عوامل ساهمت في الانتشار الملحوظ لظاهرة العمارات العشوائية، والتي نمت عشرات الآلاف منها بمناطق غير آمنة جيولوجيا، وأخرى بأحياء ناقصة التجهيز تغيب عن مساكنها عوامل الأمان الإنشائية، حيث مازال الحبل على الجرار لتفريخ مزيد من العمارات العشوائية، وأبنية أشبه بعلب كبريت متراصة ارتفاعا فوق بعضها، بدءا من النهر وصولا إلى قمة الجبل، حيث حولت”لوبيات المضاربين في العقار”تضيف ذات المصادر، الأحياء الشعبية بكل من (حي”45″و ظهر الخميس وبن سليمان والبورنيات وبن دباب وعين هارون وكاريان الحجوي والجنانات وصهريج اكناوة وحي السلام وعوينت الحجاج وعين السمن،(حولوها) إلى مشاريع سكنية موجهة لذوي الدخل المحدود، أغلبهم ممن هاجروا القرى بالأقاليم والمناطق القريبة وباعوا أراضيهم الفلاحية بسبب توالي سنوات الجفاف ليستقروا بمدينة فاس.
يذكر أن مسؤولي الوكالة الحضرية وإنقاذ فاس والمفتشية الجهوية للتعمير وشركة العمران وباقي المتدخلين في ملف السكان والسكنى، كانوا قد انجزوا بالتزامن مع اليومين العالمين للإسكان والسكن في أكتوبر2013، أي قبل 22 سنة من الآن، الدراسات المتعلقة بانعكاس الإسكان بمنطقة” فاس “وذلك ضمن توقعات خاصة بسنة 2021، والتي طالبت حينها في سياق الاستجابة لحاجيات الجهة في السكن، حددتها الدراسات في أزيد من 30 ألف من وحدات السكن الاجتماعي.