الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي
إن تمكين المشرع المغربي للجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ،ذات الطابع الشخصي من سلطة عقابية يستدعي الحديث عن الأسس الداعية إلى ذلك وشروط ممارسة هذه السلطة ونظام تسليط العقوبة في القانون 09-08 .
1- أسس السلطة العقابية
تجدر الإشارة ،أن تمكين هيئات الحكامة والتقنين من سلطة عقابية ،بالإضافة إلى ما تتمتع من صلاحيات تنظيمية ،باعتبارها في الأصل لجنة إدارية تقليدية تمارس امتيازات السلطة العامة لتسيير مرافق عمومية ، قد أثار جدلا فقهيا ،لدى القضاء الفرنسي خاصة ،فيما يتعلق بشرعية هذه السلطات ،ذلك أن شرعية هذه الهيئات تبقى غير مؤكدة وغير واضحة خاصة فيما يتعلق بسلطتها العقابية الصارمة أحيانا ،والتي تمارسها دون أن تبت باسم الشعب الفرنسي ،وهو القرار الذي تبناه مجلس الدولة الفرنسي.
فبالإضافة إلى ذلك فإن أهم المآخذ التي وجهت إلى هذه الهيئات ،يتعلق بالأساس بسلطة الزجر المسندة مبدئيا للقضاء في شخص القاضي الجنائي ،وبالتالي أصبح السؤال مشروعا حول الكيفية التي يمكن من خلالها للجنة إدارية أن تلعب دور القاضي الجنائي ،بتسليط عقوبات قد تكون في محتواها سالبة للحرية الفردية ؟
ويبررون هذا الرأي ،باختلاف المفهوم الأصلي للعقوبة في القانون الجنائي ،عن مفهوم العقوبة الإدارية ،ويتساءلون عما إذا كانت الأحكام القضائية الصادرة عن الهيئات الإدارية القضائية تنتمي إلى صنف العقوبات الإدارية أو تتجاوزها إلى العقوبات الجنائية ؟
في حين أن العقوبة الإدارية ،يقصد بها تأديب المخالف لتقويم سلوكه لضمان انتظام العمل وتسيير المرافق العامة ،وإصلاحه حتى لا يعود إلى مثل هذا الخطأ ،وذلك من خلال النيل من مركزه أو مزاياه الوظيفية ،أو المالية وليس من خلال عقوبات سالبة للحرية ،وبالتالي هل أن مختلف الأحكام القضائية التي تصدرها هيئات الحكامة والتقنين عند ممارستها للوظيفة القضائية تتنزل في إطار العقوبات الإدارية الصرفة أم أنها ترتقي إلى صنف العقوبات الجنائية؟
يمكن القول أن العقوبات التي تصدرها هيئات الحكامة والتقنين ،تتجاوز مفهوم العقوبة الإدارية لتصل في بعض الأحيان إلى مجال العقوبة الجنائية ،ويبرر ذلك بأهمية الدور الرقابي الموكول إلى الهيئات الإدارية المستقلة في الإشراف على قطاع أو مجال والسهر على تنظيمه باعتبارها السلطة المؤهلة لردع كل الإختلالات القانونية أو المهنية مما جعل المشرع لا يتردد في تزويدها بسلطات عقابية تجاه المتدخلين في القطاع الذي تنظمه،لكن تحت إشراف القضاء.
وتأكيدا لما سبق فإن إسناد صلاحيات عقابية لهيئات الحكامة والتقنين أمر قابله الفقه بانتقادات حادة حيث اعتبرها البعض “دالة على تناقض السلطة السياسية “إذ أن إنشاء تلك الهيئات يعد تجاوزا للنظام التقليدي الزجري نحو إقرار تمشي جديد يقوم على “التعديل ” للتوقي من تلك الاختلالات ،وقد اعتبر الفقه[1] أن إقرار سلطات عقابية لفائدة هيئات الحكامة والتقنين “يعد رجوعا إلى الخلف “،ومن أهم المآخذات كذلك التي وجهها الفقه إلى السلطة العقابية لهذه الهيئات هو خرقها لمبدأ الفصل بين السلط ،وأثيرت بخصوصها إشكالات دستورية تتعلق بكيفية ممارسة هيئة إدارية لاختصاصات قضائية ؟.
لكن المجلس الدستوري الفرنسي لم يجار تلك الانتقادات ،معتبرا أن القانون يمكنه من إسناد هذه الهيئات سلطة عقابية ،وذلك في نطاق الوظيفة التي تقوم بها دون أن يكون في ذلك مساس من مبدأ الفصل بين السلط ،وقد حدد المجلس الدستوري الفرنسي في قرار مبدئي شروط ممارسة هذه الهيئات للسلطة العقابية[2] ،وأوضح كذلك أن إسناد المشرع للهيئات الإدارية القضائية بمثل هذه السلطات أمر مشروع وأن لا شيء يمنعه قانونا من تزويد تلك الهيئات الإدارية بآليات زجرية ، خاصة إذا كانت العقوبة الصادرة عنها تحترم الشروط الجوهرية لمفهوم العقوبة.
إن الوظيفة القضائية لهيئات الحكامة والتقنين تقتضي في ممارستها لهذه الوظيفة احترام القواعد للإجرائية ،و الضمانات التي تكفل محاكمة عادلة ونزيهة ،خاصة أمام هياكل لم يقع الإقرار القطعي بصفتها كمحكمة ،ونذكر في هذا السياق بموقف المجلس الدستوري الفرنسي في قراره المبدئي[3] أنه لا شيء يمنع تزويد الهيئات الإدارية بسلطات عقابية لكن بشروط أهمها أن لا تكون العقوبة سالبة للحرية ،وأن تحترم الحقوق والحريات المضمونة دستوريا ،وأن تكون السلطة المصدرة للعقوبة مستقلة فعليا ،وبشرط تعليل العقوبة ،وإضافة إلى ضرورة قيام هذه الهيئات الإدارية بمحاكمة نزيهة ،وعادلة وفق المبادئ الإجرائية كتلك المتعلقة بحقوق الدفاع ،وبمبدأ قرينة البراءة ومبدأ شرعية العقوبات .
وتجدر الإشارة أن مجلس الدولة الفرنسي في تقريره لسنة 2001 ،ذكر بأنه في صورة إصدار الهيئات الإدارية القضائية عقوبات لابد من احترامها للضمانات الإجرائية الأساسية للمحاكمة العادلة وهو نفس الموقف الذي اعتمده الفقه الفرنسي .
واتجاه ما أثاره الفقه الفرنسي من نقد حاد لإسناد الهيئات الإدارية السلطة العقابية تدخل المجلس الدستوري الفرنسي في قرار مبدئي ليبيح شرعية السلطة العقابية لكن بشروط ، إذ اعتبر أن العقوبة الصادرة عن هيئات الحكامة والتقنين شرعية إذا كانت السلطة المصدرة للعقوبة مستقلة فعليا في قرارها مع وجوب أن يحترم القرار القضائي للهيئة الحقوق والحريات المضمونة في الدستور ، فضلا عن شرطا هاما يجب أن تتميز به العقوبة الصادرة عن الهيئة الإدارية يتمثل بالأساس في أن مصداقيتها أو شرعيتها لا تتحقق إلا إذا كانت غير سالبة للحرية ، وكما أشرنا فإن هذا القرار المبدئي للمجلس الدستوري الفرنسي أسس لمشروعية العقوبة ليس فقط للوكالة السمعية البصرية الفرنسية بل لجميع الهيئات الإدارية ذات الاختصاص القضائي.
2– نظام العقوبات لدى اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية بالمغرب
تخضع اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية ،كلجنة مكلفة بحماية المعطيات الشخصية ،في مختلف التفاصيل القانونية التي أوردها المشرع بالقانون الأساسي 09-08 ، وللقيام بمهمتها أوكل إليها المشرع سلطة عقابية ذات طبيعة تأديبية ،لردع كل المخالفين للقواعد السلوكية لمجال حماية المعطيات الشخصية ،وتتمثل هذه العقوبات حسب مقتضيات المادة 51 من القانون موضوع الدراسة والبحث نجده يقدم لنا منذ البداية إحالة مرجعية على مقتضيات القانون الجنائي المغربي والقوانين ذات الصلة مؤكدا بالمناسبة أنه : “دون الإخلال بالعقوبات الجنائية يمكن للجنة الوطنية حسب الحالات وبدون أجل سحب توصيل التصريح أو الإذن إذا تبين بعد إجراء المعالجة موضوع التصريح أو الإذن المنصوص عليهما في المادة 12 من هذا القانون ، أن هذه المعالجة تمس بالأمن أو بالنظام العام أو منافية للأخلاق أو الآداب العامة “.
حيث أقر المشرع المغربي مساس معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي بالأمن أو النظام العام ،أو المنافية للأخلاق ،أو بالآداب العامة ،أيضا عدم وجود رضى وقبول الشخص المعني بالمعالجة ،أو عدم الموافقة الصريحة في عملية معالجة المعطيات الحساسة ،رفض المسؤول عن المعالجة لحقوق الشخص المعني والمتعلق بحق الولوج ،أو حق التصحيح ،أو المعالجة الغير مشروعة للمعطيات ذات الطابع الشخصي ،أو الاحتفاظ بالمعطيات الشخصية بكيفية غير مشروعة أو لمدة غير قانونية أو عدم الإلتزام بمبدأ السرية وسلامة المعطيات ،الاستغلال للمعطيات الشخصية رغم التعرض ،خاصة في الاستقراء التجاري للمعطيات ،مخالفة قواعد نقل المعطيات ذات الطابع الشخصي إلى بلد أجنبي ،أو الاستعمال التعسفي والتدليسي للمعطيات الشخصية ،أو عرقلة عمل اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ،أو رفض تطبيق مقرراتها ،أو مخالفة الشخص المعنوي لقواعد حماية المعطيات الشخصية وأقر لها عقوبات إدارية مالية وزجرية .
فمن خلال الفصل 51 من القانون 09-08 بعقوبات إدارية كسحب التوصيل التصريح أو الإذن من المؤسسات التي تقوم بمعالجة المعطيات الشخصية للمعني بالمعالجة ،سواء كانت مؤسسة عمومية أو مؤسسة خاصة ،وسواء كانت المعالجة لغاية تاريخية أو علمية ،كما يمكن أن تتمثل العقوبة في منع المعالجة وبالإضافة إلى ذلك تتجسم العقوبة حسب مقتضيات القانون لغرامات مالية وزجرية قد تصل لحد العقوبة الحبسية ومضاعفة العقوبة في حالات العودفي المواد من 52 إلى 65 من القانون .
وكذلك بالمقابل اهتم الفقه الفرنسي ،بإجراء المصالحة أو الوساطة ،كآلية تعزز من فعالية تدخل الهيئات الإدارية في حماية القطاع الذي تشرف على تنظيمه ،وأكد أن المهمة أو الوظيفة المسندة لها كهيئات ،يفترض تشجيع وتوسيع نطاق آلية الصلح أو الوساطة في ردعها وتقويمها للمخالفات التنظيمية ،أو القانونية قبل أن تتدخل في مرحلة ثانية بصلاحيات عقابية ،من خلال تسليط عقوبات مالية أو تأديبية.
فمهمة الهيئات الإدارية تقتضي ،المرونة في التعامل بين المتدخلين في القطاع والإقناع بخطورة الممارسات المخلة بكافة التوازنات ،والقوى المؤثرة بذلك القطاع ، لكن يتضح أن مثل هذه الآليات الوقائية للنزاع ،لم يعتمدها المشرع المغرب في تنظيمه لمختلف هذه الهيئات بل أسس منظومة العقاب وفقا للمنظومة التقليدية للقضاء عامة ،وهو ما يستوجب من المشرع المغربي التدخل لإعادة مراجعة آليات العقاب لدى هذه الهيئات وتحديثها ،وفقا للتطور التقني والوظيفي الذي تشهده مختلف القطاعات ،التي تشرف عليها الهيئات ،لتحقق بذلك النجاعة والفاعلية في مراقبة هذه القطاعات.
إن تحريك الدعوى العمومية في مادة حماية المعطيات الشخصية ،تكون من المهام الأصلية للنيابة العمومية كممثل المجتمع ،حيث نص الفصل 36 من قانون المسطرة الجنائية[4] ،وأيضا في قانون حماية المعطيات الشخصية حيث فرض المشرع المغربي على اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية ،أن تعلم مباشرة وكيل الملك المختص ترابيا بالجرائم التي بلغت إلى علمها في إطار عملها ،والمقصود يذلك هو بإقامة الدعوى العمومية هو طرح القضية أمام جهاز القضاء لقول حكم القانون فيها وتطبيقا لأحكام قانون حماية المعطيات الشخصية تحقيقا للعدالة وحماية للحقوق والحريات .
الأصل إذن هو كل من تسبب في التعدي على المعطيات الشخصية ،المحمية بنصوص جنائية حددها قانون حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي 09-08 ،تقوم مسؤوليته الجنائية ويكون مستهدفا لعقاب مسلط عليه من القاضي المختص بالنظر في الدعوى العمومية ،وتقيدا بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يطبق القاضي الجنائي العقوبة المقررة بالقانون ونقصد بذلك قانون حماية المعطيات الشخصية وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن النصوص الجنائية التي تقر حماية المعطيات الشخصية ،تتضمن عقوبات سالبة للحرية وعقوبات مالية إلى جانب عقوبات تكميلية.
لقد جرم القانون المغربي 08-09 مساس معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي بالأمن أو النظام العام ،أو منافاتها للأخلاق ،أو الآداب في المادة 51 أنه دون الإخلال بالعقوبات الجنائية يمكن للجنة الوطنية حسب الحالات ،ودون أجل سحب توصيل التصريح أو الإذن .أما إذا كانت معالجة المعطيات الشخصية دون الترخيص بذلك ،أو الحصول على إذن ،فقد أقر لها المشرع المغربي في المادة 52 غرامة مالية من 10.000 درهم إلى 100.000 درهم وترك المشرع المغربي الباب مفتوحا للأشخاص المتضررين من المخافة لتقديم طلباتهم المدنية .
أيضا وبخصوص معالجة المعطيات الشخصية دون إخبار الشخص المعني بالمعالجة وأقر العقوبة المناسبة لهذه الجريمة بعقاب المسؤول عن المعالجة[5] ،كما جرم الإخلال بمبدأ الشرعية في المعالجة حيث إن الإخلال بواجب احترام مبدأ الغاية من المعالجة أو عدم احترام مبدأ السرية يعد جريمة تستوجب جزاءا زجريا وتبعا لذلك فإن كل من توال جمع المعطيات الشخصية لأغراض غير مشروعة .
وهكذا نجد المادة 56 من القانون 08-09 تجرم فعل معالجة المعطيات دون رضى الشخص المعني بالأمر،فرضى الشخص المعني بالمعالجة يعني التعبير الإرادي بشكل لا يترك مجالا للشك عن رضاه عن العملية أو مجموع العمليات المزمع إنجازها وحدد لكل مخالف للقانون عقوبة حبسية من 3 أشهر إلى سنة وبغرامة من 20.000 درهم إلى 200.000 درهم ،أو إحدى العقوبتين .كما جرم معالجة المعطيات الحساسة دون الموافقة الصريحة للشخص المعني بالمعالجة ،وسلط عقابا جزائيا نصت عليه المادة 57[6] من القانون 08-09 وفي صورة الإخلال بمبدأ السرية وذلك من خلال عدم اتخاذ المسؤول عن المعالجة أو المناول الاحتياطات اللازمة لحماية تلك البيانات ،والحيلولة دون إتلاف أو إطلاع أي شخص غير مرخص له بذلك يكون معرضا للعقوبة طبقا لمقتضيات المادة 58 من القانون حماية المعطيات الشخصية[7].
أما القانون الفرنسي فقد نص الفصل 226-17 من القانون الجنائي المعدل على معاقبة كل من يتولى معالجة المعطيات الشخصية ،دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة المنصوص عليها صلب الفصل 34 من قانون [8]1978 المنقح بالسجن مدة خمس سنوات وبغرامة قدرها 300.000 يورو.
أما إذا تعلق الأمر بالمساس بحقوق الشخص المعني بالمعالجة ،كرفض المسؤول عن المعالجة حق الولوج للمعطيات ،أو تصحيحها ،أو إعمال حق التعرض من قبل الشخص المعني بالأمر،فقد نصت المادة 53 من القانون المذكور ،على معاقبة المسؤول عن المعالجة الرافض لتنفيذ هذا الحق ،بغرامة مالية من 20.000 درهم إلى 200.000 درهم.
وفي نفس المنحى أقر المشرع المغربي معاقبة كل من قام بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ،بطرق غير نزيهة وغير مشروعة ،أو تجاوز المدة القانونية الممنوحة للمعالجة ،أو عدم قيام المسؤول عن المعالجة باتخاذ إجراءات لضمان حماية أمن المعطيات الشخصية ،سواء تعلق الأمر بالأمن المعلوماتي ، أو تعلق الأمر بالسر المهني في المواد 54 و 55 و 58 من القانون 08-09 ،بالحبس من 3 أشهر إلى سنة ،وبغرامة من 20.000 درهم إلى 200.000 درهم أو بإحدى العقوبتين .
وحماية للمواطنين والمواطنات من الاستغلال المفرط ،لمعطياتهم الشخصية ،بوصفهم أشخاصا ذاتيين ،إذا ما تعرضوا على فعل المعالجة ،لأسباب مشروعة ،أو إذا كانت معالجة لغاية الاستقراء التجاري المباشر ،أو الغير مباشر بغض النظر عن دعامتها ،لمواجهة العابثين بالمعطيات وكذا الباحثين عن جنة المعطيات ،فقد أقر لها المشرع المغربي ،من خلال المادة 59 من القانون حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ،بالحبس من 3 أشهر وغرامة مالية من 20.000 درهم إلى 200.000 درهم أو بإحدى العقوبتين.
وسعيا من قبل المشرع المغربي ،لمنح ضمانات أكبر لعملية نقل المعطيات الشخصية ،إلى بلد أجنبي ،نجده يجرم هذا الفعل في المادة 60 من القانون ،إذا تمت المعالجة ونقل المعطيات بشكل غير مشروع ، بنفس العقوبة المقرر في المادة 59.ولم يقف المشرع المغربي عند هذا الحد حيث نجده يشدد العقوبة في حق كل من قام بتسهيل الاستعمال التعسفي ،أو التدليسي للمعطيات المعالجة أو توصيلها لأشخاص غير مؤهلين في المادة 61 من القانون ،وأقر لها عقوبة حبسية من 6 أشهر إلى سنة ،وبغرامة من 20.000 درهم إلى 300.000 درهم ،مع إمكانية حجز المعدات المستعملة في المخالفة ،أو مسح المعطيات بقرار من المحكمة.وحتى يتسنى لأعوان اللجنة الوطنية القيام بدورهم الرقابي ،فقد منحهم المشرع المغربي بعض الضمانات ،من خلال زجر ومعاقبة كل من عرقل ممارسة عمل اللجنة الوطنية أو رفض استقبال المراقبين ،ولم يسمح لهم بإنجاز تفويضهم في المادة 62 من القانون بالحبس من 3 أشهر إلى 6 أشهر ،وبغرامة مالية من 10.000 درهم إلى 50.000 درهم ،أو بإحدى العقوبتين ،أو رفض تطبيق قرارات اللجنة الوطنية كرفض إرسال الوثائق المطلوبة ،أو نقل الوثائق التي ينص عليها القانون بالإبقاء على نفس العقوبة الحبسية والرفع من قيمة الغرامة ،من 10.000 درهم إلى 100.000 درهم.
لقد أقر المشرع حماية جنائية للمعطيات الشخصية ،تأسس في اعتقادنا ،لثقافة الوساطة والتحكيم فلحد نهاية الولاية الأولى للجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي لم تقم إطلاقا بإعمال القانون الزجري في حق المخالفين ،واكتفت بالقيام ببعض الحملات التحسيسية بموضوع المعطيات الشخصية ،وأيضا بالتواصل المباشر مع العديد من مؤسسات القطاع العام والخاص ،لحثهم على تطبيق القانون ،وأحيانا التهديد باللجوء للقضاء ،و تفعيل النصوص القانونية على مستوى التجريم والعقاب الواردة في القانون 09-08 .
ولهذه الغاية لم يقتصر المشرع المغربي على الحماية للجنائية للأشخاص الذاتيين فقط ،بل اتجهت نية المشرع للأشخاص المعنويين المخالفين لقواعد حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي في المادة 64 من القانون 09-08 ،بمضاعفة العقوبة المقررة للأشخاص الذاتيين ،وأيضا تطبيق عقوبات على الأشخاص المخالفين ،بالإضافة للعديد من العقوبات التكميلية كالمصادرة الجزئية لأمواله كما هو منصوص عليه في الفصل 89 من القانون الجنائي الذي ينص على ” يؤمر بالمصادرة كتدبير وقائي ،بالنسبة للأدوات والأشياء المحجوزة،التي يكون صنعها ،أو استعمالها أو حملها أو حيازتها ،أو بيعها جريمة،ولو كانت تلك الأدوات ،أو الأشياء على ملك الغير،وحتى لو لم يصدر حكم بالإدانة “ ،كما يمكن أن تصل العقوبة لإغلاق المؤسسات المعنية بالمخالفة ،أما في حالة العود في المخالفات التي تمس المعطيات ذات الطابع الشخصي ،فقد أقر المشرع في المادة 65 من القانون مضاعفة العقوبة الحبسية والغرامة المالية أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتحقيقا لغاية الحماية المقررة للمعطيات ذات الطابع الشخصي تتوفر اللجنة الوطنية على سلطة التحري والبحث في القضايا المعروضة عليها ،حيث تمكن أعوان اللجنة الوطنية المفوضين من قبل رئيس اللجنة بصفة قانونية ،الولوج المباشر للمجال الذي يمارسونه ،بل ويمكن للجنة التحري بناء على ترخيص من وكيل الملك وتحت مراقبته ،القيام بحجز المعدات موضوع المخالفة وذلك طبقا لمقتضيات المادة 27 من قانون المسطرة الجنائية :” يمارس موظفو وأعوان الإدارات والمرافق العمومية الذين تسند إليهم بعض مهام الشرطة القضائية بموجب نصوص خاصة،هذه المهام حسب الشروط وضمن الحدود المبينة في هذه النصوص.” من خلال تحرير محضر المراقبة والمعاينة وموضوع العملية والأعضاء المشرفين على العملية،والأشخاص الذين تم مقابلتهم وتصريحاتهم عند اللزوم ومطالبهم والصعوبات التي واجهتهم عند اللزوم ،مع جرد لكل المستندات والوثائق التي تم الاطلاع عليها .
خاتمة :
لقد أمكن تحديد مظاهر الحماية القضائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي ،من خلالا استقراء مختلف النصوص القانونية المؤطرة للحماية الواردة في القانون 09-08 ،التي بدا واضحا تنوعها وتعدد أوجهها والمتعلقة بحقوق وخصوصية الأفراد ،سواء تعلق الأمر بالقضاء الإداري ،أو على مستوى القضاء الزجري من خلال ثنائية ،التجريم والعقاب .
ورغم ذلك يبقى حجم التحديات المطروحة في ظل التطورات التكنولوجية كبيرة ،وارتباطها بشبكة الإنترنت والاقتصاد الرقمي المعولم ،يطرح تحديات جديدة أمام فقهاء القانون والقضاة على حد سواء لتجاوز الفراغ التشريعي ،الذي يمكن أن يعرفه مسار المعطيات الشخصية ،وتجويد الأحكام وحسن تعليلها ،ومن ثم مواكبة القوانين للتطورات الكبرى التي يشهدها العالم في مجال المعطيات ذات الطابع الشخصي ،تأكيدا على مبدأ الحماية القضائية للمعطيات حماية للحقوق والحريات العنوان العريض المنتهك للمعطيات ذات الطابع الشخصي ،ويبقى القضاء دوما ملاذا أخيرا لقول القانون وإحقاق العدل وحماية المجتمع من كل الممارسات التي قد تعرقل حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ،أمام العابثين بالقانون أو الجاهلين بمقتضياته القانونية.
لائحة المراجع :
°عبد الله حنفي ،السلطات الإدارية المستقلة،دراسة مقارنة،دار النهضة العربية،مصر 2000 .
° العربي جنان ،معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي،الحماية القانونية في التشريع المغربي والمقارن،سلسلة التنظيم القانوني للمعلومات و الانترنت ، الكتاب الثاني، سنة 2010
°عبد الله الحارثي ،دستور 2011 ، إضاءات متقاطعة على الدستورانية المغربية الجديدة ، منشورات الجمعية المغربية للقانون الدستوري،مؤلف جماعي ،الصفحة 211 ،مطبعة المعرف الجديدة 2014.
° سعيد إهراي ، الكلمة الافتتاحية للندوة الدولية السابعة لحماية المعطيات الشخصية،في موضوع :المعطيات الشخصية التطور والآفاق ،نظمتها اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية واللجنة الفرانكفونية لحماية المعطيات الشخصية وبشراكة مع المنظمة الدولية الفرانكفونية ،أيام 21 و22 نونبر مراكش 2013.
°عبد المجيد غميجة ،المدير العام للمعهد العالي للقضاء،يوم دراسي حول المعطيات الشخصية بالمغرب ودور القضاء في الحماية بقاعة المناظرات بالمعهد العالي للقضاء بالرباط 9 ماي 2014
°محمد الهيني،رقابة القضاء على أعمال هيئات النوظمة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية بفاس ،جامعة سيدي محمد بن عبد الله،السنة الجامعية السنة الجامعية 2012 -2013 .
– قرار مدني صادر عن محكمة الاستئناف بتونس تحت عدد 67367 بتاريخ 3 ديسمبر 1986 (قرار غير منشور).
°Jean Fraysinet , La protection de la vie privée est un point d’ancrage fort de la protection des données personnelles : Petites affiches n°115 du 11 Novembre 1998 p25.
° DECOOPMAN (N), « Le contrôle juridique des autorités administratives indépendantes », « L’indépendance ne signifie certainement pas l’absence de tout contrôle en particulier de tout contrôle juridictionnel ».
° Tietgen-Colly Cathrine,<< Les autorités administratives indépendantes :histoire d’une institution>> in COLLIARD Claude Albert et TIMSIT Gérard,(sous la direction),Les autorités administratives indépendantes,.
° Devolve (P) « Le pouvoir de sanction et le contrôle du juge », L.P.A. n 185, 17/09/2005 p 21
°Mezghanni Nébila : La protection civile de la vie privée, thèse, Paris2.
°La protection de la vie privée est un point d’ancrage fort de la
°protection des données personnelles : Petites affiches n°115 du 11 Novembre 1998 p25.
° Décision n° 88-247 DC, du 17 Janvier 1989 à propos de pouvoir du C.S.A, les grandes décisions du conseil constitutionnel, pp. 715 .
° Décision n° 89-26 du 28 Juillet 1989 à propos de C.O.B, les grandes décisions du conseil constitutionnel, pp. 735
° Décision du conseil constitutionnel de 28 Juillet 1989 à la COB.
°Rapport du conseil d’Etat française , 2000, p 298.
[1] – Décision n° 88-247 DC, du 17 Janvier 1989 à propos de pouvoir du C.S.A, les grandes décisions du conseil constitutionnel, p. 715 .
[2] – Décision n° 89-26 du 28 Juillet 1989 à propos de C.O.B, les grandes décisions du conseil constitutionnel, pp. 735.
[3] – Décision du conseil constitutionnel de 28 Juillet 1989 à la COB.
1 المادة 54:” يعاقب الحبس من 3 أشهر إلى سنة وبغرامة من 20.000 درعهم إلى 200.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ، كل من قام بخرق أحكام أ و ب ج من المادة 3 من هذا القانون بجمع معطيات ذات طابع شخصي بطريقة تدليسية أو غير نزيهة أو غير مشروعة ، أو أنجز معالجة لأغراض أخرى غير تلك المصرح بها أو المرخص لهان أو أخضع المعطيات المذكورة لمعالجة لاحقة متعارضة مع الأغراض المصرح بها أو المرخص لها.[5]
1المادة 57: يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين وبغرامة من 50.000 درهم غلى 3000.00 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ، كل من قام دون الموافقة الصريحة للأشخاص المعنيين ، بمعالجة معطيات ذات طابع شخصي تبين بشكل مباشر أو غير مباشر الأصول العرقية أو الإثنية أو الآراء السياسية أو الفلسفية أو الدينية ، أو الانتماءات النقابية للأشخاص المعنيين أو المتعلقة بصحة هؤلاء.
2 المادة 58: يعاقب البحبس من 3 أشهر إلى سنة وبغرامة من 20.000 درهم إلى 200.00 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من قام أو عمل على القيام بمعالجة معطيات ذات طابع شخصي دون إنجاز الإجراءات الهادفة إلى حماية أمن المعطيات ا لمنصوص عليها في المادتين 23 و 24 أعلاه.