تترك الصدمات النفسية في الطفولة آثاراً عميقة ودائمة على الطفل، حيث تشكل نقطة تحول مهمة في بناء شخصيته، وتؤثر على نموه النفسي والعاطفي.
وأجمعت مختلف الدراسات والتجارب في هذا المجال، على أن الصدمات النفسية في الطفولة قد يكون لها تأثير على نمو الشخصية وتشكيل الهوية. فقد يجد الأفراد الذين تعرضوا لهذه الصدمات صعوبة في تحديد هويتهم وفهم أنفسهم وأهدافهم. كما أنهم قد يظهرون اضطرابات في تحديد الاتجاهات المهنية والأهداف الشخصية، وربما يصعب عليهم تحقيق نجاحات مستدامة في مختلف مجالات الحياة.
وفي نفس السياق، أثار مسلسل “سفاح الجيزة” للمخرج المصري ’’ هادي الباجوري’’ جدلاً واسعاً على مدار الأسابيع القليلة الماضية، حيث تصدر قائمة البحث على محرك “جوجل”، وكذلك شغل مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، حيث تناول المسلسل سلسلة من أحداث القتل والعنف الصادمة التي تركت بصمة بالغة الوضوح لدى المشاهدين.
في بداية المسلسل، تم عرض أحداث تشير إلى أن البطل، جابر (أحمد فهمي)، تعرض لعدة حوادث ومواقف صعبة خلال طفولته، والتي تركت آثاراً عميقة عليه، مما أدى إلى تحوله إلى سفاح. من بين هذه الأحداث، شهد جابر قتل والدته (حنان يوسف) لوالده في المنزل والتي كانت هي الأخرى تعنفه في طفولته، وهو ما ترك بصمة قوية في نفسيته.
وفي نفس الصدد، تأثر جابر بالصدمات بشكل عميق مما شكل نقطة تحول في حياته، وأدى إلى تطويره لشخصية سادية يتسم فيها بالتلذذ في تعذيب ضحاياه. كما أسفرت هذه الصدمات عن تطور حالة فصام داخل عقله، فأخذ يخلق واقعاً موازياً يعيش فيه مع شخصية أخرى من المسلسل تجمعه بها قصة حب لا وجود لها في أرض الواقع. وبالإضافة إلى ذلك، زادت الصدمات من حدة شعوره بالبارا نويا والاضطهاد، مما أثر بشكل كبير على واقعه النفسي والعاطفي.
وباعتباره حلاً للصدمات النفسية، قام عالم النفس الأمريكي ’’ بيتر ليفين ’’ بتطوير نهج بيولوجي يعرف بـ”علاج المعاناة الجسدية” أو” Somatic Experiencing”و الذي يستخدم لعلاج حالات الصدمة وتبعاتها. يعتمد هذا النهج على تحرير الطاقة المحتجزة في الصدمة النفسية من خلال استخدام ردود الفعل الحماية الذاتية والبيولوجية المنظمة،إذ يعود بذلك النظام العصبي إلى توازنه الطبيعي.
وعلى النقيض الإيجابي، تظهر الصدمات النفسية في الطفولة قدرتها على تعزيز القدرات التكيفية والمرونة لدى الأطفال، فبعد مرور الوقت، يمكن للأفراد أن يتعلموا كيفية التغلب على التحديات والصعوبات بفعالية، وبناء قدرات تحمل الضغوط النفسية.
فقد درس عالما النفس الأمريكيان’’ أندري كلارك’’ و’’ جانيت هانس’’حياة الأطفال الذين عانوا من تجارب طفولة مؤلمة فتبين أن لهم معدلات فوق متوسط من الذكاء والقدرات الاجتماعية، وتوصلا إلى استنتاج مفاده أن الأطفال اللذين يعانون من الصدمة، يظهرون مرونة مدهشة إذا تم تبنيهم في علاقات أسرية مستقرة.