تم نشر هذا المقال حول تقنين حق الإضراب وحقوق الإنسان بكتاب “تجربة مسؤول نقابي سابق” وبتزامن مع الحوار الاجتماعي بين الحكومة وأرباب العمل والمركزيات النقابية والذي بدأ يومي 24 و 25 فبراير 2022 أقوم بنشره بهدف توسيع النقاش في الموضوع لما له من أهمية.
تحدثت في الحلقة السابقة عن الجانب المتعلق بقراءة في مشروع القانون رقم 15-97 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، واليوم اتطرق لـ” أسباب ودواعي ممارسة حق الإضراب”.
بالرجوع إلى تطورات الأوضاع الاجتماعية على الصعيد الوطني وطبيعتها تتضح أهمية احترام حق الإضراب لحماية الحقوق والذي تستعمله النقابات من أجل القضايا التالية :
– 1 المطالبة باحترام ممارسة الحق النقابي، إذ كلما تكون مكتب نقابي في هذه المؤسسة أو تلك إلا ويتعرض العمال للطرد من العمل، ولولا هذا الحق لانعدم وجود النقابة.
– 2 المطالبة بتطبيق مقتضيات مدونة الشغل، فجل المؤسسات لا تطبق مقتضيات المدونة إذا لم يكن وجود النقابة وإذا لم يتم اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب.
– 3 المطالبة بتوفير الحماية الاجتماعية، وبالأخص التصريح بالعمال في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وسلامة التصريحات من التلاعبات أمام الفوضى العارمة التي يعرفها هذا المجال رغم دور المراقبة الذي يقوم به مفتشو الشغل ومفتشو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
– 4 المطالبة بتلبية الملفات المطلبية لتحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية للعمال بالقطاع الخاص من خلال إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية وعقد البروتوكولات.
–5 المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية للموظفين والمستخدمين بالوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية، وعند استعراض الوضعية بمختلف قطاعات الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية تتضح أهمية ما يتم القيام به من طرف النقابات.
– 6 المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة والمثال على ذلك ما تضمنته الاتفاقات التي تمت منذ التوقيع على التصريح المشترك لفاتح غشت 1996 واتفاق 23 أبريل 2000 و30 أبريل 2003 و26 أبريل 2011 و25 أبريل 2019 حيث تم تحقيق العديد من الحقوق المادية والمعنوية، وقد انعكس ذلك إيجابيا على كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والحريات العامة والديمقراطية كما كان لها تأثير كبير على التطورات التي عرفها مجال حقوق الإنسان.
ومن خلال هذه الأمثلة الستة التي أشرنا إليها يتضح مدى ضرورة وأهمية حماية حق الإضراب، إذ لولا ذلك لكانت الوضعية جد سيئة ومتدهورة عما هي عليه.
ولكون الحركة النقابية تتوفر على رؤية متكاملة وشمولية، فقد ظل موضوع الدفاع عن المقاولة والاقتصاد الوطني وعن المدرسة العمومية وعن مختلف المرافق والمؤسسات التي تقدم خدمات للمجتمع لما لها من دور وظيفي بل الأكثر من ذلك ظل هذا الموضوع داخل ملفاتها المطلبية وبرامجها النضالية.
وكل هذه النضالات التي يتم خوضها على كافة هذه المستويات التي أشرنا إليها لها طابع دفاعي، ومن هنا يتضح مدى أهمية احترام حق الإضراب باعتباره وسيلة أساسية للدفاع عن القانون وعن المشروعية، علما أن النقابات بطبيعتها لا تلجأ إلى استعمال سلاح الإضراب إلا بعد استنفاد جميع ما يتطلب القيام به من أجل إيجاد الحلول للقضايا المطروحة.
ثالثا: تقليص نسبة الإضرابات
وترسيم التوافق القائم على أرض الواقع
ومن أجل التنقيص من عدد الإضرابات وترسيم التوافق على تنظيم حق الإضراب القائم على أرض الواقع يتطلب الأمر القيام بالخطوات التالية:
– 1 تفعيل جميع مواد الدستور وبالأخص منها الفصل السادس والثامن والثالث عشر والتاسع والعشرين والواحد والثلاثين.
– 2 القيام بدراسة علمية حول أسباب نشوء الإضرابات بالقطاع الخاص والتي تعود بالأساس كما أشرنا إلى ذلك إلى التضييق على الحريات النقابية وعدم تطبيق مقتضيات مدونة الشغل وعدم التصريح في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتلاعب في التصريحات، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على أوضاع العمال وعلى المقاولات التي تطبق القانون وعلى ضوء هذه الدراسة تتخذ التدابير والإجراءات التي يتطلب القيام بها.
– 3 العمل على تطبيق مقتضيات مدونة الشغل.
4 – تعميم الحماية الاجتماعية على الأجراء وبالأخص تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مع سلامة التصريحات من العيوب وهو ما يساعد على التعجيل بتطبيق قانون إطار رقم 21.09 يتعلق بالحماية الاجتماعية.
5 – مراجعة النظام الأساسي للوظيفة العمومية وإيجاد حل لوضعية المتعاقدين.
6 – تقوية دور الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية واتفاقيات الشغل الجماعية من خلال:
– تفعيل الحوار بجميع قطاعات الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية وفق منظور شمولي يأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاجتماعية للموظفين والمستخدمين مع الدور الوظيفي والاستراتيجي الذي تقوم به هذه القطاعات لصالح المجتمع.
– تقوية اتفاقيات الشغل الجماعية على مستوى المقاولات والقطاعات المهنية مع وضع دراسات قطاعية وتنظيم ندوات تحسيسية بهدف تقوية المقاولات بمختلف القطاعات المهنية وفق منظور متوازن يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطرفين.
– تفعيل الهيئات الاستشارية المنصوص عليها في مدونة الشغل لتقوم بدورها على الوجه المطلوب حتى لا تظل اجتماعاتها شكلية والتي سيتم إعادة هيكلتها على ضوء نتائج انتخابات مناديب العمال وأعضاء اللجان الثنائية لشهر يونيو 2021.
– تفعيل الحوار الثلاثي وفق مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومتابعة ملائمة الأجور والأسعار مع احترام مواعيد دورات الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية.
كل ذلك سيؤدي إلى تخفيض نسبة الإضرابات التي تعود إلى الأسباب التي أشرنا إليها.
7- ترسيم التوافق على تنظيم حق الإضراب القائم على أرض الواقع :
وبالرجوع إلى ما تحقق من تراكمات على أرض الواقع من خلال الممارسة الفعلية في الميدان يتضح أن التوافق حول تنظيم حق الإضراب قائم منذ فترة طويلة.
– فعلى مستوى المقاولة تتم هذه الممارسة بشكل طبيعي وعادي حيث يتم تقديم ملفات مطلبية للمشغلين وإذا تم فتح الحوار بشكل طبيعي كما أن مهلة الإخطار يتم احترامها وإن كانت مدتها تختلف حسب طبيعة الوضعية التي تختلف من حالة إلى أخرى، غير أنها لا تطرح أي مشكل وهناك الحالات التي يتم خوض الإضراب فيها من أجل احترام الحق النقابي أو المطالبة بتطبيق القانون أو تأخير أداء الأجور أو غيرها من الحالات التي يتم خوض الإضراب فيها من أجل الدفاع عن الحقوق أو ضد بعض الخروقات أو بعض التعسفات في غالب الأحيان يتم احترام مهلة الإخطار على الأقل 48 ساعة على الأقل إلى أنه في بعض الحالات الاضطرارية قد يحدث إضراب فجائي والذي في غالب الأحيان يكون بسبب تعسفات المشغلين.
– وعلى مستوى قطاعات الوظيفة العمومية والجماعات الترابية تُقدم الملفات المطلبية، ويُطلب فتح الحوار، وإذا تحققت الاستجابة يتم التوصل إلى الحلول بشكل توافقي دون أي مشكل، وإذا لم يتحقق ذلك يتم اللجوء إلى الإضراب ولا يطرح ذلك أي مشكل بالنسبة إلى مهلة الإخطار.
وعلى مستوى المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة التي تدخل في إطار مسؤولية الحكومة يتم تقديم المطالب التي تستوجب إيجاد الحلول لها، وإذا كانت الاستجابة يتم التوصل إلى التوافق كما هو الشأن بالنسبة لجميع الاتفاقات التي تم إبرامها منذ فاتح غشت 1996 إلى اتفاق 25 أبريل 2019 ولا يكون هناك أي مشكل إذا تم احترام الضوابط القانونية.
وقصد ترسيم هذا التوافق والوصول إلى تهييء مشروع قانون متوافق عليه يمكن تكوين لجنة ثلاثية على غرار ما تم بالنسبة لمدونة الشغل تمثل فيها الحكومة والمنظمات المهنية للأجراء والمشغلين والقطاعات المهنية للعاملين غير الأجراء وكل الجهات التي لها علاقة بالموضوع على أن تنطلق مما تحقق من تراكمات خلال المراحل الماضية ومن معايير منظمة العمل الدولية، على أن يحال على المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لإبداء الرأي، وبعد ذلك وقبل إحالته على البرلمان للمصادقة عليه يتم نشره لتطلع عليه مختلف الهيئات وبالأخص منها الهيئات الحقوقية والرأي العام الوطني، ومن الأفيد أن يتم توسيع المشاورات إلى أقصى ما يمكن أن يكون ولن يشكل ذلك عائقا بقدر ما يشكل عنصر قوة، أعتبر أن هذا التوافق يخدم مصلحة المقاولة، ومصلحة الطبقة العاملة، والاقتصاد الوطني.